الشيفرة الإسرائيلية؛ تيران وصنافير. بحث من مركز فيريل للدراسات. فيديو. 05 تموز 2017

عدد القراءات 918534. الشيفرة الإسرائيلية؛ تيران وصنافير. الكاتب التونسي سالم مرزوقي. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 05.07.2017. فيديو.

لا ترى شريحة واسعة من النخب العربية في القضية الفلسطينية إلا استعماراً استيطانياً استولى على أرض فلسطين وشرّد شعبها عطفاً على شعب الله المختار، ولا يدركون أن إسرائيل ليست إلا جزءا من مشروع متكامل  صنعه الغرب لمصالحه بالدرجة الأولى، وجنّد له كل ما أوتي من أسلحة ثقافية واقتصادية وسياسية وعسكرية، واستثمرها في اليهود ليكونوا إحدى أدواته، ولو تمعنا ملياً فيما يجري اليوم من حروب وخراب وتفكك،  لاكتشفنا كم نحن قصيري النظر، كسيحي العقل، وإلا لما لسعنا آلاف المرات وذبحنا عشرات المرات ودفنا مرة واحدة، رغم ذلك… نعتبر أنفسنا أحياء!!

نتحدث اليوم في مركز فيريل عن الجزر المصرية (تيران وصنافير) التي تسلمتها السعودية من مصر لتسلمها بدورها لاحقاً لإسرائيل بطريقة أو بأخرى!! هذا هو المشهد الذي يتبادرُ للعقل الأسير داخل القضية الفلسطينية وفوبيا اللوبي الصهيوني: (نحن واسرائيل فقط!) لنكتشف فيما بعد (ربما بعد عقود لشدة غبائنا) أننا سلمنا بحاراً وأوطانا للاعب الأكبر الولايات المتحدة وتوابعها الأوروبيين، فإذا كانت اسرائيل ستسيطر بغطاء سعودي على جزر صغيرة في عنق البحر الأحمر، فإن واشنطن ستمتلك خليج العقبة كاملاً بتحويله من بحر مغلق تتحكم فيه الدول المطلة عليه، إلى بحر مفتوح أي مياه دولية بلا عناء ولا صراعات في الهيئات الأممية، كيف؟

جزر تيران وصنافير تكشف التحول في الإستراتيجية الصهيوأطلسية

يجمع الخبراء أن هذه الجزر غير المأهولة لا أهمية لها، إلا لكونها محميات طبيعية تحتضن حَيداً مرجانيا ضخماً، يعج بالكائنات البحرية النادرة، وأرضاً فارغة ذات بيئة عذراء ليس إلا، أما الحديث عن مشاريع تنموية وجسور وتعاون اقتصادي، فهو افتراءات ودسائس إعلاميه لإخفاء قيمتهما الإستراتيجية، وتمويه عن الأسرار الحقيقية لتمليكها للسعودية.

فلنعد لتاريخ زرع اسرائيل في المنطقة، فنجدُ أنّ أزمة الجزر والصراع حولها، ولدت بالتوازي مع نكبة فلسطين، ما يعني أنها مبرمجه سلفاً كجزء من المشروع ككل، فمنذ إعلان قرار التقسيم الذي أوجد اسرائيل ودشن مأساة فلسطين سنة 1948، كانت عين العصابات الصهيونية وحاميها  البريطاني ومن بعده الأمريكي على البحر الأحمر وخليج العقبة، الذي كان بحراً مغلقا تحت تصرف الدول المطلة عليه حسب القانون الدولي للمضايق والمياه الإقليمية، أما مفتاح غلقه وفتحه، فهو جزيرة تيران كما سنرى لاحقاً

 

إسرائيل غير موجودة باعتراف الأمم المتحدة على خارطة خليج العقبة

 

مصر والأردن والسعودية هم المعنيون بالتصرف في خليج العقبة وفي موارده وملاحته، ولا وجود لإسرائيل التي لا تطل عليه، بحكم خرائط قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتفاقيه هدنة رودس مع الجانب المصري بتاريخ 24 شباط 1949، لكن إسرائيل لم تمهل العرب، وهجمت في عملية عسكرية بقيادة الإرهابي إسحاق رابين (من سخرية القدر نيله جائزة نوبل للسلام)، على قرية أم الرشراش المصرية وأبادت بتاريخ 10 مارس 1949 كل الحامية المصرية المرابطة هناك، وأسست بالإرهاب والغدر منفذاً على خليج العقبة، في تحد مفضوح لقرار الهدنة وأسست ميناء إيلات،  لتصبح الدولة الرابعة المطلة عليه بالقوة وبتأييد ودفع من الدول الاستعمارية، وفي خضم حرب السويس سنة 1956، انقضّت إسرائيل على الجزر المصرية لاحتلالها، لكن حرب السويس انتهت  بانتصار مصر في ظل توازنات دولية معينة، وانسحبت قوات العدوان وظلت هذه الدول تتحين الفرصة لاستعادة سيطرتها على المضيق، فكانت الجزر مرة أخرى شرارة وهدف عدوان حزيران 1967، لتسقط الجزر من جديد تحت الاحتلال، وبقيت هكذا حتى تطبيق اتفاقيات كامب ديفيد سنة 1982 بين مصر واسرائيل، لتعود للسيادة المصرية بالتفاوض ومقابل تنازلات مؤلمه وخطيرة من الجانب المصري.

وها هي جزر تيران وصنافير تطفو من جديد في قمة الرياض 2017 كاستثمار للهوان العربي بعد الحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا.

مصر تتنازل عن الجزر للسعودية وبالتالي لإسرائيل، مجاناً

إذا جمعنا ما ذكرناه في المقدمة، يمكننا أن نستنتج أن مهندسي دولة اسرائيل ربما أدركوا بشكل متأخر أن الراعي الغربي، كان أكثر حنكة ودهاءً في التركيز جنوباً نحو المضائق والبحار والصحارى الإفريقية والآسيوية، فبعد تدمير لبنان والعراق والآن سوريا، اقتنعوا أن شمال فلسطين الذي جعلوه عمقهم الديموغرافي وقوة ارتكازهم الاقتصادي والسياسي، لا يكفي ليكون سداً منيعاً ونواة لتمدد الإمبراطورية الصهيونية الحلم، بل تيقن قادة إسرائيل الآن  بعد صراعات دامت نصف قرن، من خطئهم الاستراتيجي الذي أثبتته الحروب الفاشلة والناجحة سابقاً وحالياً، فهذا الشمال أصبح مصدر تهديد أكثر من صحراء النقب الخالية، ليدركوا أن الخاصرة الرخوة القابلة للتطويع والقضم والهضم، ليست شمالاً كما اعتقدوا بل جنوباً، حيث النفط والمياه والبحار المفتوحة وضعف البنى الاجتماعية والسياسية، بدءاً من غزة إلى القرن الافريقي والخليج العربي. نرى في مركز فيريل أنّ هذا أحد الأسباب التي أتت بـ دونالد ترامب إلى الرياض لتقويم الخطأ في المشروع الصهيوني وترميمه، والتأشير لمفتاحه السحري الذي جعله محور قمة الرياض أي الجزر الحاكمة في خليج العقبة.

لماذا سيتم تحويل ملكية تيران وصنافير للسعودية؟

يقول العارفون بالجغرافيا والقانون أن المضائق الشرقية، أي التي تفصل جزيرة صنافير عن البر السعودي، لا تصلح كممر للسفن الكبرى لكثافة الشعاب المرجانية وارتفاعها، ما يجعل العمق محدود وغير قابل للملاحة، حيث لا يتجاوز أقصاه  العشرين متراً، أما المضيق الغربي لجزيرة تيران فعمق الممر أنتربرامز، المحاذي لشرم الشيخ  يبلغ 290 متراً، وهو المستعمل حاليا للملاحة، وبحكم ملكية مصر للجزر فهو مياهٌ إقليمية مصرية لا يمكن المرور عبرها، إلا بإذن القاهرة وتحت إدارتها، وهنا بيت القصيد…

بتحويل ملكية الجزر للسعودية؛ يصبح هذا المضيق حدوداً بحرية بين دولتين تتداخل مياههما الإقليمية، ويتحول المضيق والخليج  لمياه دولية تحكمه القوانين الدولية، ولا يمكن لا لمصر ولا للسعودية ولا حتى اسرائيل، إن استلمت الجزر تسويغاً أو شراءً أو استيلاءً، حق التصرف فيه إلا وفق هذه القوانين الدولية.

أليس هذا ضربة، بل قضاءٌ على ما يُسمى الأمن القومي لكلا الدولتين وباقي الدول العربية؟

ماذا ستجني تل أبيب وواشنطن؟

اسرائيل الصغيرة التي تطمح لبناء إمبراطورتيها، وبعد فشلها في التمدد كثيراً في الشمال، وعجزها عن حماية نفسها من تداعيات ما يجري في سوريا، ستترك مُرغمة المهمة هناك  للكبار الولايات المتحدة والأطلسي، وستبحث عن الدول والشعوب الأكثر ضعفاً، والتي يسهل ابتلاعها والهيمنة عليها.

  • شعوب الخليج مُغيّبة عن الأوضاع السياسية، والقادم الذي نتوقعه في مركز فيريل للدراسات هو الإعلان عن فتح سفارات إسرائيل جهاراً في دول الخليج.

  • سيتمُ ابتلاع الضفة والقطاع، وسيهجر أهل غزة من جديد نحو سيناء والأردن وشمال غرب السعودية، تحت فيدراليات وإمارات.

  •  ستباشر تل أبيب فوراً، بعد أن يصبح خليج العقبة مياهاً دولية مفتوحة، بحفر قناة لربطه بالمتوسط وإزاحة قناة السويس نهائياً من خارطة الممرات الدولية الإجبارية… وقد باشرت بربط كافة الدول المحيطة بتل أبيب، بإرادتها كما طالب ترامب (وقد وافق كل الحضور “الكريم” في الرياض)…

  • سياسة تجويع وانتشار أمراض وثورات غبية مبرمجة أخرى، وتقسيم المقسم، ستكون ضمن القادم.

  • اليمن المظلوم الصامد، سيكون بؤرة الدمار الذي لن ينتهي، حتى لو فرضت تسويات في باقي البؤر، فإما سحق الحوثيين وهذا شبه مستحيل، أو إبادة الشعب اليمني، حتى يتسنى فتح الممرات لتوسع الدولة الصهيونية…

هذا جزءٌ من خارطة الصهاينة ومهمتهم، أما اللاعب الكبير واشنطن؛ فتعمل على خارطة أوسع وأشمل، وستصارع الكبار، وتغلق الطريق أمام  الصينيين والروس والهنود وباقي الآسيويين والأفارقة، الذين بدأوا يعلنون ميلهم للبريكس، فوجود محمية صهيونية قوية على ضفاف البحر الأحمر والقرن الافريقي والجزيرة العربية، يعني عزل العالم الصاعد والطموح عن قلب الحضارات القديمة حول البحر المتوسط وأوروبا، وهو تعويض عن الفشل الى حد الساعة في السيطرة على طريق الحرير الذي حالت دونه روسيا وسوريا وإيران.

بنظرة بسيطة وحسب مركز فيريل؛ تخلي مصر عن جزيرتي صنافير وتيران للسعودية، خطأ استراتيجي كبير مهما كانت الدوافع والأسباب، هذا إذا أحسنّا النية.

 

ختاماً

قمة الرياض، كانت قمة الجانب الواحد الآمر، قمة دونالد ترامب، وقد نجحت في تجاوز عقبة المقاومات السياسية والعسكرية شعبياً ورسمياً في الدول النائمة، ونجحت في إعادة مصر لوضع أسوأ بكثير من وضع كامب ديفيد، بالحصار والتجويع والتعطيش والإرهاب، ووضعت أُسساً موضوعية أكثر نجاعة للسيطرة على مقدرات شعوب المنطقة والتحكم في مصائرها لفترة قادمة، وستكون هذه السياسات الأشد وقعاً على الشعب الفلسطيني، الذي سيستعبد بعضه وسيهجر البعض الآخر من جديد، وكذلك الشعب اليمني، الذي سيدفع ضريبة صموده إبادة وحصاراً. لمركز فيريل للدراسات الكاتب التونسي سالم المرزوقي. 05.07.2017 إدارة التحرير مركز فيريل للدراسات ـ برلين