أهلا بكَ في السويد. الحرب الأهلية الأوروبية قادمة.

مازالت أعمال العنف تجتاحُ مدن السويد، في صراع بين اليمين المتطرف والمسلمين الثائرين بسبب تظاهرات وحرق للقرآن الكريم. الأمور أعمق من مجرد مظاهرات عنيفة تنتهي لاحقاً كما بدأت، بل انقسام في المجتمع السويدي الذي يُمثلُ نسخة مُصغّرة عن المجتمع الأوروبي والقادم أسوأ، وستثبتُ الأيام صحة أو خطأ ما حذرنا ومازلنا منه. إلى تفاصيل مركز فيريل للدراسات.

مَن هو حارق القرآن؟

Rasmus Paludan

الأشخاص الذين يُمثلون اليمين المُتطرف كثُر، آخرهم هو Rasmus Paludan سياسي ومحامي مقيم في الدانمارك وزعيم حزب Hard Line مزدوج الجنسية، يحمل جواز سفر سويدي ودانماركي علماً أنه من مواليد نيوزيلاند 02 كانون الثاني 1982. عمل في سلك المحاماة كمحامي دفاع جنائي لصالح مروجي “الماريغوانا”، وفي قضايا أقيمت ضد اللاجئين.

تعرّض للمحاكمة والسجن أكثر من مرة، بسبب آرائه العنصرية المعادية للمهاجرين وللإسلام وحتى للزنوج، كذلك بسبب مخالفات مرورية تسببت بسحب رخصة القيادة لسنة، كما مُنع من مزاولة مهنة المحاماة ثلاث سنوات.

من آرائه: (على الدول الأوروبية بما في ذلك الدانمارك والسويد، ترحيل جميع المسلمين للحفاظ على العرق الأبيض وسلامة وأمان المجتمعات). (على الدول الأوروبية حظر الإسلام). عَمِل بالودان على إثبات صحة آرائه بطريقة خبيثة، وأول مَن ساعده هم المسلمون الذين تظاهروا ضده! سنرى كيف.

في نيسان من عام 2019 نظّم مظاهرة عنصرية تسببت بأعمال عنف، قام بعدها لاجئ سوري بمحاولة قتله، فحُكم عليه بالسجن شهرين على أن يتم طردهُ خارج الدانمارك، كما مُنِعَ بالودان من دخول السويد منذ نيسان 2020 لتسببه بحدوث أعمال شغب. رغم ذلك استطاع تنظيم مظاهرة بعد حرق القرآن في مدينة مالمو أدت لموجة عارمة من العنف.

لينتقل بنشاطه إلى فرنسا ويُحكم عليه بالسجن أسبوعين ويُطرد منها في 11 تشرين الثاني 2019. فإلى ألمانيا التي لم تسمحَ له بالتظاهر، فيعود إلى الدانمارك ثم السويد بعد انتهاء المنع قبل أيام مُطالباً بالترخيص لعدة مظاهرات لليمين المتطرف، حصل على عدة موافقات رسمية، أعقبتها أعمال عنف وتخريب وحرق مازالت مستمرة.

الشرطة السويدية الأضعف أوروبياً والأسرع في الهروب

في مظاهرة مُرخّص لها، أقدم يوم الجمعة الماضي Rasmus Paludan في العاصمة ستوكهولم على حرق نسخ من القرآن على مرآى من الناس وبحماية الشرطة، لأن هذا يُسمى “حرية التعبير”! فاندلعت أعمال عنف قام بها المسلمون الذين هاجموا الشرطة بالحجارة والعصي، مما تسبب بإصابة 8 عناصر بكسور وجروح مختلفة.  

في نفس اليوم الجمعة 15 نيسان 2022 وفي مظاهرة يمينية مماثلة بمدينة Orebro، اندلعت أعمال شغب عنيفة حيث هاجم محتجون مسلمون الشرطة، وأضرموا النيران بسياراتهم، فهرب رجال الشرطة بطريقة أسرع من المتظاهرين اليمينيين! كذلك اندلعت أعمال العنف في مُدن Linköping و Norrköping وأيضاً كانت الشرطة السويدية أول الفارّين من المكان، وسط انتقادات واسعة من وسائل الإعلام السويدية التي وصفت ذلك “الفضيحة الأمنية”، ليرد عليهم قائد الشرطة الوطنية Anders Thornberg محاولاً استعادة شيء من ثقة الشعب: (كنا نحاول الحفاظ على حق الناس بالتظاهر، وعدم مواجهة مرتكبي العنف بطريقة قاسية، لكننا نعدكم بمعاقبة المخالفين…). هذا التبرير أثار سخرية الشعب السويدي من جهة، وأدى لتمادي مرتكبي العنف. ففي مدينة Norrköping هاجم متظاهرون مسلمون الشرطة رغم إلغاء تظاهرة كان سيقوم بها المتطرفون، فهرب رجال الشرطة، تاركين كل شيء وراءهم، فقام المتظاهرون بنهب وسرقة على كل ما وقع تحت أيديهم في السيارات، بما في ذلك أجهزة اللاسلكي وألبسة الشرطة، ثم أحرقوا تلك السيارات، ليظهر عدد منهم يرتدون زي الشرطة السويدية في أحيائهم! وهذا ما أكده الصحفي السويدي يراكيم لاموت واصفاً ما حدث بـ “وصمة عار على جبين الشرطة السويدية”.

تجدّد الاشتباكات والشرطة السويدية تتناول جرعة شجاعة

مع الاحتفالات بعيد الفصح هاجم عشرات الشبان الملثمين الشرطة السويدية مساء الأحد 17.04.2022، سيارات الشرطة في مدينة Norrköping في عملية فرض الأمر الواقع وإثبات سيطرتهم على المدينة، ثم قاموا بإحراق السيارات وتخريب الممتلكات العامة. الأخطر حدث عندما أطلق المتظاهرون النار باتجاه الشرطة، فردت عليهم مما أدى لإصابات في الطرفين. كما اعتقلت عدداً من المهاجمين، وفي نفس الوقت حدثت عمليات تخريب مماثلة في Linköping وأوريبرو لاندسكرونا ومالمو، والهجوم دائماً على الشرطة السويدية وإحراق سياراتهم وإشعال الإطارات في الشوارع.

 بيترا ستينكولا قائدة شرطة مالمو: (ما يحدث في مالمو وباقي المدن السويدية، عنف لم نرَ مثله من قبل، ولا نستبعدُ أن يكون عملاً مخططاً له من قبل).

قائد الشرطة العام Anders Thornberg البارحة الإثنين 18.04.2022: (أعمال العنف والتخريب التي حصلت خلال عيد الفصح في عدة مدن سويدية هي لعصابات إجرامية، وهناك تحريض من الخارج). هنا يبدأ التلميح للمؤامرة الخارجية وتصنيف المتظاهرين كمجرمين تحضيراً للقادم.

مَن نجحَ في تحقيق أهدافه؟

السياسي اليميني المتطرف Rasmus Paludan أشعل الشوارع في السويد في عمل استفزازي مقصود. تصرفه بحرق القرآن الكريم لا يمتّ للديموقراطية أو حرية التعبير بصلة. فحرية التعبير لا تعني إهانة معتقدات الآخرين مهما كانت، والأمر ينطبقُ على كافة الأديان والمعتقدات.

بالودان هذا، أصدر بياناً بإلغاء تجمعاته بسبب عجز الشرطة السويدية عن حمايته مع أتباعه من المجرمين حسب وصفه. عاد إلى كوبنهاغن للاسترخاء حسب تصريحاته، على أن يعود للسويد قريباً. كما تقدم مئات السكان بشكاوى ضد الشبان المسلمين بسبب تخريبهم لممتلكاتهم الخاصة، وسط موجة استياء من السويديين ضد المهاجرين الذين ارتكبوا أعمال عنف.

الأسوأ هو ارتفاع نسبة السويديين الذين يؤيدون حزب Sverigedemokraterna SD اليميني المعادي للهجرة وللمسلمين بزعامة Jimmie Åkesson، وتُشير بعض التقديرات إلى أنّ هذا الحزب الذي كان عدد مقاعده في البرلمان السويدي 42 مقعداً وقفز إلى 62 مقعداً في انتخابات أيلول 2018 ويحتل المركز الثالث، سيكون منافساً قوياً للحزب الديموقراطي الإشتراكي المتصدر، وقد لوحظت زيادة شعبية الحزب اليميني في المناطق التي شهدت أعمال عنف وتخريب من المهاجرين.

المسلمون الذين هاجموا الشرطة السويدية وأحرقوا سياراتهم وخرّبوا الممتلكات العامة، هل صانوا القرآن؟ هل أعطوا فكرة حسنة عن المسلمين والإسلام؟ ما هي الصورة التي أصبح يراها الأوروبي عن المسلمين؟ من بين المخربين والمعتقلين عدة أطفال دون الـ14 عاماً، أيّ جيل قادم تنتظرهُ السويد؟

البعض فقط من الأوروبيين ينظر للإسلام كدين عنف وجهل. غير صحيح، وهذا تبسيط وجهلٌ للمجتمع الأوروبي الذي بات اليمين هو الملجأ، ونسبة الذين يرون في الإسلام دين قتل وجهل وتخلّف في ازدياد، والخطر عندما تتجاوز هذه النسبة 50%.

يبدو أنّ بالودان قد حقّقَ مبتغاه، فالمجتمع السويدي بشكل عام، بات ينظر للمهاجرين والمسلمين منهم تحديداً، نظرة قلق واشمئزاز في أفضل الأحوال، وللمجتمع الإسلامي في المدن المذكورة أنه بؤرة إجرامية. المُطالبة بضبط هذا المجتمع “الإجرامي” ازدادت، والحكومة السويدية ستضطر لزيادة أعداد رجال الشرطة وتدريبهم بشكل أكثر، واستخدام العنف ضد المتظاهرين حسب تصريحات وزير الداخلية موغان يوهانسن الذي قال: (إن لجأنا إلى العنف، يجب أن نكون مستعدين لمواجهة المزيد من العنف). الأمر سينسحبُ على باقي الدول الأوروبية التي ستراجع إجراءاتها وتزيد مراقبتها للمجتمعات الإسلامية، مقابل ارتفاع نسبة الأوروبيين المؤيدين لليمين المتطرف، وكل هذا سيصب في النهاية لصالح انقسام هذه المجتمعات الأوروبية، وخطر نشوب حرب أهلية مهما طال الزمن. أسباب ودوافع هذه الحرب الأهلية الأوروبية تتكامل تدريجياً، وسيكون الجوع أحدها، وعلى نفسها جنت براقش. Firil Center For Studies FCFS. Dr. Jameel M. Shaheen. 19.04.2022