الوهابية المقنعة. المهندس باسل علي الخطيب.

إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. المهندس باسل علي الخطيب.

 الوهابية ليست ديناً منحرفا فحسب، إنما تاريخاً مزورا محرفا وفق عقلية إقصائية تضليلية تغتصب التاريخ إياه، ومن ثم تتزوجه وتلبسه لبوساً مزركشا سترا للفضيحة، ذاك التاريخ المزور قرأه الجميع ويعتقد به الأغلبية بل ويقدسونه ويعتبرونه غير قابل للنقاش.

ألبست الوهابية الموروثَ الإسلامي نزعة وصائية استعلائية ترى الآخر شريرا دائما, فأقرت بجواز ارتكاب المذابح الجماعية, بما في ذلك ما نسب للرسول زورا كمذبحة بني قريظة على سبيل المثال, بل أن ذاك الموروث شرّع الذبح عندما ألصق ذاك الحديث: “… جئتكم بالذبح” بالرسول الذي كان يخاطب القرشيين.

صبغت الوهابية الدينَ الاسلامي بالعنصرية والغلو ومثال ذلك حديث قتل المرتد, وعسكرت الإسلام عبر الحديث المنسوب زوراً للرسول “اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف”, لماذا حصر الأمر بالسيف ولم يجعلها أرضا أو سماءا للعقول أو اللسان؟

شرّعت الوهابية الغزو كخيار استراتيجي لقهر الشعوب, جاعلة من التوسع والاحتلال خياراً دينيا.

وصمت أفكار أرسطو وأفلاطون وسقراط وابن سينا ​​والفارابي وابن رشد وغيرهم بالهرطقة.

نعم يا سادة، عشعشت الوهابية في تاريخنا وثقافتنا وفي غرف نومنا, نتغنى بعظماء ومفكري العصور الإسلامية كابن سينا ​​وابن رشد والفارابي وأبو بكر الرازي وغيرهم, علماً أنهم كانوا مضطهدين من ذات الخلفاء الذي نتغنى بفتوحاتهم وانتصاراتهم العسكرية.

“فاتحون أبطال يضطهدون العظماء والمفكرين!!”.

الوهابية هي التدين المبالغ فيه والذي لم ينتج إلا غباءاً لا محدوداً, حتى بات المتدين شخصا بليداً محدود التفكير يؤمن بالترهات ولا يمكن مناقشته بأمر دون أن يكفر الآخر أو يشهر سيفه لقطع الرؤوس… حقاً إن القليل من التدين خير من كثيره.

أنتجت الوهابية عبر التدين المُفرط، قطيعاً كبيراً من محدودي التفكير والذكاء.

الوهابية هي إفساح المجال لرجال الدين كي يتصدروا كافة المجالس، ويتدخلوا في كل شاردة وواردة.

إفساح المجال أمام الجمعيات الدينية وتيارات الدعاة والداعيات، التي نشأت كتنظيمات مغلقة متزمتة تأكل الأخضر واليابس، لاسيما مع حجم التمويل المالي الهائل مجهول المصدر.

الوهابية أن تبني مساجد من الذهب وتبذر الملايين والمليارات والفقراء يملؤون الشوارع.

الوهابية أن تصبح ميزانية وزارة الأوقاف تعادل ميزانية 7 وزارات بما في ذلك وزارة الثقافة، إن صح تسميتها بوزارة.




اجتاحت الوهابية بلادنا على مدى العقود الماضية, فأنتجت مجتمعاتٍ جبانة… كافة مجتمعاتنا تعاني من عقد الخوف; تخاف من الفرح, تخاف من الحب, تخاف من البساطة, تخاف من الرأي, تخاف من العقل, وتخاف من… العلم.

الوهابية أنتجت مجتمعاتٍ تخاف من كل شيء… كل شيء إلا من الله!!

بتنا نعيش في عصر التفاهة, وهذا نتاج التكلس الذي أصاب عقولنا وأرواحنا بسبب سطوة وسيطرة تيارات الوهابية المقنعة على مجتمعاتنا, تلك السطوة أنتجت أجيالا متبلدة اتكالية, أنتجت وعياً جمعيا يقدس المظاهر, حيث يمارس أغلب الناس معتقداتهم ليس قناعة إنما خوفا من المحيط ومداراة له, الكل يخاف من الكل…

يذهبون للصلاة, يصومون, يطلقون اللحى, خوفاً من الأخ أو الأب أو رجل الدين, والأب بدوره يخاف من أخيه ومن صديقه… إنها دورة الخوف! الكل يتوجس من الكل, هذه هي مجتمعاتنا, نعم, نحن نعيش في عصر الخوف و… التفاهة…

المسجد أهم من المدرسة, المعهد الشرعي أهم من المركز الثقافي, الجمعيات الدينية أهم من مراكز البحث العلمي والجامعات والمشافي. بل بات المسجد أهم من الله نفسه.

الوهابية جعلت المسجد أهم من الله…

المصيبة في التيارات الدينية أنها لا تكتفي ولا تشبع, مهما امتلكت من سيطرة وسلطة وثروة, لأن الاكتفاء يشكل تناقضاً جوهرياً مع بنيتها الفكرية, فهي تعتبر أن الفكر الذي تحمله هو الأفضل والذي يجب أن يعمم على المجتمع, وبالتالي لا تقبل تلك التيارات أن تكون في المرتبة الثانية في أية دولة أي بعد السلطة القائمة, حتى ولو تعايشت مع ذلك لفترة, فهي مهما قُدم لها من تسهيلات وامتيازات, ستسعى دائما للمزيد حتى تزيحها, ولا أقصد هنا أن تزيح السلطة عن سدة الحكم, إنما أن تسيطر التيارات الدينية على كل نواحي الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية في البلد, عبر تحكمها بالمدارس والجامعات والمناهج التعليمية والمنابر الثقافية والحالة الفكرية ووسائل الإعلام والمساجد. عندها تصبح السلطة شكلية ويكفيها من رجال الدين الولاء مع دعاء مستفيض في الخطب, تاركة الساحات لهم, شرط أن يبتعدوا عن كرسي الحكم ولا ينازعوها عليه… إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.