إلى أين ستصلُ نيران أفغانستان؟ الدكتور جميل م. شاهين

إلى أين ستصلُ نيران أفغانستان؟ الدكتور جميل م. شاهين. 27.08.2021. بغضّ النظر عن أسباب الانسحاب الأميركي من أفغانستان وترك هذا البلد يُعاني من الفقر والتخلّف أكثر مما كان عليه يوم احتلّهُ الجيش الأميركي بحجة محاربة الإرهاب. ما هو الدور المنوط بكلّ دولة في المنطقة؟ أين ستكون ساحة الحرب القادمة وهل سيصل الشرر سوريا؟ هل فعلاً أفغانستان دولةٌ فقيرة؟ اختصرتُ لكم فقراتٍ طويلة كي نستطيعَ التجول على أكثر من موضوع آني.

أفغانستان من أغنى دول العالم بالثروات، لكنها الحربُ والفساد

التقديرات والتقارير الوارد ذكرها، صادرة عن عدة مصادر ، وهي  UNOمنظمة الأمم المتحدة و EU الاتحاد الأوروبي والجيش الأميركي والوكالة الدولية للطاقة IEA والحكومة الأفغانية والهيئة الجويلوجية الأميركية USGS.

إذا عدنا إلى عام 2010؛ التقرير الجيولوجي الصادر عن الجيش الأميركي مع خبراء جيولوجيا أفغان يقول: (تمتلكُ أفغانستان موارد طبيعية تبلغُ قيمتها الأولية 1 ترليون دولار من الحديد والليثيوم والنحاس والكوبالت والأحجار الكريمة والتربة الثمينة).

كان هذا عام 2010 ليأتي تقرير الحكومة الأفغانية عام 2017 حول الثروة المعدنية: (تُقدّرُ ثروات أفغانستان الباطنية بما في ذلك الوقود الأحفوري بـ 3 ترليون دولار)، أي ثلاثة أضعاف التقديرات الأميركية.

أفغانستان صاحبة أكبر  احتياطي من الليثيوم في العالم

مع بداية استخدام عنصر الليثيوم Lithium، وهو عنصر كيميائي قلوي والأقل كثافة بين العناصر الكيميائية الصلبة، في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية والهواتف الذكية وأجهزة اللاب توب والقنابل النووية والهيدروجينية، ازداد الطلب عليه 6% سنوياً. اليوم ومع اقتراب عام 2022، تشير التوقعات إلى أنّ الطلب سيرتفع إلى 25% سنوياً أكثر من الأعوام الماضية. البنك الدولي طالبَ بزيادة إنتاج الليثيوم بخمسة أضعاف للقضاء على الانبعاثات بحلول 2050 أما Internationale Energieagentur (IEA) الوكالة الدولية للطاقة فتقدره بـ40 ضعفاً حتى عام 2040

حسب Guillaume Pitron عالم الموارد الطبيعية: (أفغانستان تسبحُ على بحر هائل من الثروات الطبيعية لم يتم استغلالها بعد). أفغانستان هي صاحبة أكبر احتياطي من الليثيوم في العالم، حسب تقرير الجيش الأميركي وهي تنافس تشيلي التي تحتلُ حالياً المركز الأول بالاحتياطي المؤكد.

الصين أكبر مستورد لهذا العنصر الكيميائي، وهذا أحد أبواب التنافس والصدام هناك.

الليثيوم واحد من عشرات الثروات الصادمة

المتتبع لثروات أفغانستان والتي بقيت طي الكتمان لعشرات السنين، يُفاجئ من حجم هذه الثروات وتعددها…

النحاس؛ ازداد الطلبُ عليه 45% عام 2020 بسبب جائحة كورونا ليصل سعر الطن الخام إلى 8500 يورو. وفقاً لهيئة الجيولوجيا الأميركية US-Geologiebehörde فإنّ نخزون أفغانستان من النحاس هو الثاني عالمياً، لهذا هرولت الصين عبر شركة Metallurgical Corporation الصينية (MCC) ، واحدة من أكبر شركات التعدين العالمية، باستئجار حقوق التعدين في منطقة لوجار الأفغانية لمدة 30 عاماً ومنها منجم Mes Aynak جنوب كابول، مقابل 808 مليون دولار تحصل عليها الحكومة الأفغانية، احتياطي المنجم هو 11 مليون طن ويُنتجُ 200 ألف طن في السنة، أي ما قيمتهُ 1,7 مليار دولار سنوياً.

بالإضافة لليثيوم والنحاس؛ فاحتياطي أفغانستان من الحديد هو 2,2 مليار طن. لديها احتياطي من الذهب ضمن خمسة مناجم ومئات الأنواع من الرخام النفيس والأحجار الكريمة كالزمرد والياقوت  واللازورد والتورمالين… وهذا ليس كلّ شيء.

عُثِرَ على أتربة نادرة مثل Neodym, Praseodym Dysprosium، وتُستخدمُ في صناعة مغناطيس توربينات الرياح أو للسيارات الكهربائية وتُقدّر قيمتها بـ 90 مليار دولار، كذلك رواسب من خام الألمنيوم والبوكسيت.

 United States Geological Survey: (تمتلك أفغانستان 1.6 مليار برميل من النفط الخام و440 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، على الأقل).

لعابُ الدول يسيل

اكتشافُ هذه الثروات الهائلة في أفغانستان ليس وليد الساعة، فقد تأكد قسم كبير من الاحتياطيات منذ أوائل التسعينات ليبدأ السباق حول اختراع طريقة للدخول إلى هذه الدولة؛ بالاحتلال لسبب ما… أو عن طريق الشركات.

الطريقة الأميركية كانت واضحة؛ (فلنحتل هذا البلد ونُحارب “الإرهاب” وننشر الديموقراطية)!. الصين دخلت عن طريق الشركات فأصبحت أكبر مستثمر أجنبي في أفغانستان وتقود السباق لبناء نظام تعدين فعّال حتى مع طالبان…

وراء العملاقين تأتي دول أخرى أولها روسيا ثم باكستان وتركيا اللاتي هرولن أيضاً لنيل نصيب من هذه الترليونات، بينما أحجمت دول القارة العجوز عن التعامل مع طالبان الراديكالية، وستندم.

طالبان سيطرت على أفغانستان دون قتال وبشكل مفضوح بوجود القوات الأميركية التي لم ترحل بعد، بينما أعربت الدول اللاهثة وراء الثروة أنها ستتعامل مع طالبان تجارياً واقتصادياً. أي بشكل واضح؛ (ستتعاون هذه الدول مع حكومة طالبان لسرقة ونهب خيرات أفغانستان) فهل ستتفرج عليهم واشنطن؟!

وزير الخارجية الصيني وانغ يي مع الملا عبد الغني بارادار القيادي في طالبان. فيريل.

الصين اللاعب الأهم في أفغانستان

وزير الخارجية الصيني وانغ يي التقى زعماء من طالبان قبل شهر، ليخرج علينا الملا عبد الغني بردار ، وهو من مؤسسي طلبان ومتحدث ديبلوماسي باسم الحركة قائلاً: (نأمل أن تلعب الصين دوراًأكبر في إعادة إعمار أفغانستان وتنميتها الاقتصادية).

الإعلام الصيني حاول ويحاول قطع الطريق على المخطط الأميركي بزيادة الإغراءات لزعامات أفغانستان الجدد. الحديث ينصبُّ على كيفية وماهية الدور الفعال الذي ستلعبهُ كابول وكم ستستفيد من مشروع الحزام والطريق في بكين  Pekings Belt and Road Initiative (BRI) و “طريق الحرير الجديد”. ومشروع  Xi Jinpings  وهو مشروع للبنية التحتية أثار الجدل حوله ووقف الغرب ضده.

إحباط هذه المشاريع وضرب خطوط وطرق إمدادات الصين من المواد الأولية والبترول والغاز، هو المتوقع أن تُغذيه واشنطن بانتشار العنف والأعمال الإرهابية في أفغانستان ودول جوارها على الأقل. لعبة خطرة أخرى؛ بالتنسيق بين واشنطن وأنقرة سيتم نقل آلاف من مقاتلي الأيغور وتدريبهم في أفغانستان، تمهيداً لعودتهم إلى بلادهم في إقليم شين جيانغ شمال غربي الصين والمطالبة بالاستقلال.  

باكستان اللاعب الأخطر في أفغانستان

الراعي الأول لتنظيم طالبان عند تأسيسه في باكستان هي المخابرات الباكستانية ISI دون شك، وفي المدارس الدينية في مدينة بيشاور،  والاتهامات جاءت من أصدقاء إسلام أباد في بريطانيا والولايات المتحدة. بينما أوضحت تصريحات كبار المسؤولين الباكستانيين مدى بهجتهم بعودة طالبان لحكم جارتهم الشمالية. رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أشاد بحماس في كلمة خلال حفل تعريف بالمناهج الدراسية الجديدة بالعاصمة بتاريخ 16 آب الحالي: (الأفغان كسروا سلاسل العبودية).

التأييد العلني لحكام أفغانستان الجدد رافقهُ انتقاد للدول التي غزت هذه الدولة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر  2001. الشيخ فضل الرحمن زعيم “جمعية علماء الإسلام” وهي أكبر حزب إسلامي مؤيد لطالبان في باكستان، هنّأ زعيم طالبان الملا هبة الله أخوند زاده لتهنئته بـالنصر المؤزر، وسراج الحق زعيم حزب “الرابطة الإسلامية” ثاني أكبر حزب إسلامي في باكستان احتفل بعودة طالبان وكذلك إعجاز الحق  نجل الرئيس ضياء الحق الذي دعم المجاهدين الأفغان خلال الغزو السوفيتي لأفغانستان، ولم ينسَ مفتي باكستان محمد تقي عثماني التهنئة والتعبير عن فرحه. حتى الأحزاب اليسارية أصابتها حمى الابتهاج بهزيمة “الإمبريالية” العالمية. في حين وزّعت العامة والمحال التجارية الحلويات لدى وصول مقاتلي الحركة وسيطرتهم على كابول. إذاً؛ باكستان شعباً وحكومة مع طالبان.

باكستان ستكون لاعباً مهماً في الفترة القادمة وهذا لا يعني أنها ستكون بمنأىً عن الفوضى والحرب، ستنخرط في المعمعة وستكون أولى الساحات جارتها الأم الهند، وهي ضمن حلف الصين حالياً وروسيا… وهذا بحث واسع سننتطرق إليه في مركز فيريل للدراسات.

تركيا والإمارات والسعودية وقطر ومصر في حلف جديد

بعد فشلها بدخول مصر والسيطرة على تونس وليبيا وانتهاء الأحلام الواسعة في سوريا والعراق، وتدهور الاقتصاد التركي، جاءت أحداث أفغانستان طوق نجاة مؤقت لتركيا. تقاربٌ تركي إماراتي سعودي وعودة لتحالف قديم ضد الاتحاد السوفيتي “الكافر”. يوم اعترفت ثلاث دول بطالبان فقط، هي السعودية والإمارات وباكستان، وكان الدعم المادي والعسكري لا ينقطع للمقاتلين ضد السوفيت من هذه الدول، اليوم سيتم استبدال باكستان بتركيا، ليكون القتال عسكرياً واقتصادياً ضد الصين “الكافرة”…

انقلبت مشاركة الإمارات في أفغانستان ضد طالبان بعد مقتل السفير الإماراتي جمعة محمد عبد الله الكعبي وخمسة دبلوماسيين إماراتيين آخرين في تفجير قندهار ، فعززت أبو ظبي علاقاتها مع حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غاني، وأرسلت قواتٍ لتدريب الجيش هناك لمواجهة طالبان. بالمقابل انتقدت قطر التي تستضيفُ المحادثات بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية.

السعودية كان لها دور أساسي منذ أوائل الثمانينات سواء ضد السوفيت أو فيما بعد بدعم طالبان، ثم انقلبت أيضاً كالإمارات بعد أحداث 11 سبتمبر، لكن المخابرات السعودية أبقت على قنوات تواصل مع زعماء طالبان بالتنسيق مع المخابرات الباكستانية، ورعت عام 2008 مفاوضات سلام بين طرفي النزاع في كابول. عادت وانقلبت عليهم عندما طردت مبعوث طالبان من الرياض لعدم إدانته تنظيم القاعدة عام 2009 تاركة الساحة لقطر وحليفتها تركيا.

المطلوب اليوم من الإمارات والسعودية وتركيا وقطر  ومعهم مصر أن تكون ضمن حلف واحد مع طالبان. والمطلوب يجب أن يُنفذ…

أين سوريا من كلّ هذا؟

التأثير سيصل سوريا وسيكون إيجابياً وسلبياً. نبدأُ بالإيجابي؛ من المخطط له أن تكون سوريا ساحة صراع كبير  وموطناً للتنظيمات الإسلامية المتطرفة، بدءاً من تنظيم القاعدة وابنتهُ جبهة النصرة إلى داعش والحزب الإسلامي التركستاني إلى جيش الإخوان المسلمين… لكنّ عدم ضمان امتداد النيران إلى إسرائيل حجّم هذا الأمر وكان لابد من إيجاد ساحة حرب كبرى بعيداً عن تل أبيب معشوقة الجميع… الجميع دون استثناء.

هؤلاء الجميع فعلوا ما كان يقوم به البدوي منذ مئات السنين، عندما يتصارع مع آخر كانا يبتعدان عن المضارب كي لا يؤذوا النساء والأطفال… هكذا اتفق الكبار دون اتفاق؛ فلنتصارع بعيداً عن مضارب تل أبيب، ما رأيكم بأفغانستان عوضاً عن سوريا؟ أي أنّ نقلَ مقاتلين إسلاميين متطرفين من سوريا إلى أفغانستان سيبدأ، بل بدأ فعلاً، ومعلومات مركز فيريل للدراسات سواء من سوريا أو من مراكز اللجوء في تركيا، أنّ المئات بدؤوا يتحضّرون لمغادرة الشمال السوري طمعاً برواتب “وهمية” تماماً كما حصل عندما ذهبوا إلى ليبيا وأذربيجان؛ وعدتهم المخابرات التركية براتب شهري يبدأ بـ 400… المخدعون لم يسألوا عن نوع العملة ظنّاً منهم أنها دولار أميركي، فإذ بها ليرة تركية… وشربوا المقلب وسيشربون ثانية وعاشرة.

من المفترض أنّ اشتعال ملفّ أفغانستان سيُخفف عن سوريا وبالتالي سيزيد من احتمالات بدء حلّ سياسي على الأقل. هنا تبرز احتمالات أخرى حول انسحاب أميركي من الجزيرة السورية المحتلة، وبشكل أدق؛ تخفيف الوجود الأميركي، لأنّ واشنطن ستُبقي على قاعدتين رئيسيتين، تاركة الساحة للجيش التركي ومعه جيش الإخوان المسلمين ليتصارعا مع الجيش السوري وقسد والأهم… حزب العمال الذي وصلتهُ أسلحة أميركية حديثة وبكميات كبيرة، وهذا ليس سرّ اًننشره.

إنها السياسة الأميركية؛ إشعال الحروب في كل مكان بعيداً عن أراضيها

الجانب السلبي على سوريا لما يحدث في أفغانستان هو توسّع النيران ببؤر متفرقة، خاصّة وأنّ التربة الخصبة موجودة في سوريا سواء من التنظيمات المتطرفة ذات الخبرة العسكرية، أو التيار الديني المتزمت بلبوس حديث والذي تملّكَ مفاصل الدولة ويمكن أن ينقلب في أية لحظة من مجرّد خطاب ديني إلى حمل السلاح والجهاد ضدّ الكفّار… واللي بيجرّب المجرّب… توسع النيران قد يأتي أيضاً نتيجة اشتعالها في إيران حسب المطلوب، والحرب ستكون، وكم نكرهُ التعبير التالي، هلال سنّي ضد هلال شيعي، لكننا مضطرون لقوله ولن نضيف…

توقعات مركز فيريل للدراسات

تبييض صفحة طالبان أمام العالم، وتفجيرا مطار كابول الانتحاريين ومقتل عشرات منهم مع 13 من الجيش الأميركي، أول “امتزاج” للدم بين “محاربي الإرهاب”. ضمن هذا التبييض ستكون هناك مشاورات للاعتراف بإسرائيل لاحقاً فلا تتفاجؤوا، عندها ستصبحُ طالبان رمزاً للديموقراطية والتحضّر…

الانسحاب الأميركي جرى بعد اتفاق مع طالبان وتسليمها العتاد العسكري المتطور ليس صدفة أو بسبب نصر عسكري ساحق، إنما كان ضمن بنود الاتفاق.

طالبان لن تستطيع استثمار ثروات أفغانستان لضعف الخبرة والإمكانيات والفساد الكبير في الأجهزة الحكومية، لهذا لابد من شركات أجنبية، هنا سيكون الصراع والذي سيحصد عشرات وربما مئات الآلاف من الضحايا لا تُحسبُ في الإعلام، قبل أن يتفق الكبار على الحصص، هذا إن اتفقوا.

الحرب الأولى بالوكالة بين الصين والولايات المتحدة، ستكون على أرض أفغانستان والدول المجاورة بما في ذلك إيران وباكستان وجمهوريات وسط آسيا السوفيتية سابقاً وصولاً إلى الساحة الحمراء، قبل أن تبدأ أو تزامناً مع الحرب الثانية في إفريقيا، والوقود دائماً وأبداً هو التنظيمات الإسلامية المتطرفة لسهولة انقيادها وقيادتها.

لن تكون هناك حرب مباشرة، هي حربٌ بالوكالة تقوم بها الدول التابعة والتي بدورها توكل المهمة لتنظيمات وميلشيات دينية.

حرب مخابرات واسعة، تعكس تعقيدات السياسة بين أقوى الأجهزة في العالم، وصديق البارحة هو عدو اليوم وحليف الغد. مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. 27.08.2021