بوتين يعيد توزيع الأدوار على المسرح الليبي. فادي عيد وهيب. القاهرة

التالي ما كتبهُ الباحث المصري فادي وهيب في الشأن الليبي، نتعرّفُ من خلاله على وجهة نظره بمؤتمر برلين وبما يحدث في ليبيا.

لعبت روسيا دوراً رئيسياً في الجولة الأخيرة من المعارك التي نشبت في ليبيا بدعمها لقوات المشير خليفة حفتر، وهو ما جعل الأمريكي يغضب على حفتر ويطلق “الحبل” لأردوغان. تراجعت روسيا خطوة إلى الوراء لتراقبَ كيف يحرّك الأمريكي أردوغان، تماماً كما يُحرّكهُ في سوريا، فدخل الروسي على خط الأحداث كما دخل لسوريا، وعاد بوتين ليدعم أردوغان من جديد مُستغلاً التدخل التركي في ليبيا، فيُخرج الأطراف الأوروبية الفاعلة (فرنسا، إيطاليا) وكذلك العربية (مصر، الامارات) من الميدان الليبي، ويُبقي على مَن يريده (ألمانيا) كما هو واضحٌ في سياسة بوتين.

حاول أردوغان تحقيق مصالحه ومصالح الأمريكي والروسي معاً، بنفس الطريقة التي يسلكها في سوريا، فتكون تركيا هي الشوكة والسكينة التي ستقطعُ بها موسكو وواشنطن “تورتة” ليبيا.

أمر وقف إطلاق النار جاء ثقيلاً على القيادة العامة للجيش الليبي، فهي مَن رفضته علناً وبعدها بثلاثة بأيام قبلت الأمر. الجيش وافق على وقف إطلاق النار وهو مجبر، والأسوأ من ذلك فرض أردوغان كأمر واقع فى أية معادلة مستقبلية لليبيا، بعد أن جاء عنوان الهدنة نفسها بـ “وقف إطلاق النار برعاية روسية تركية”، قبل أن تتم دعوة أردوغان إلى مؤتمر برلين بعد أن كانت تركيا خارج المشهد تماماً.

الهدنة ليست فى صالح الجيش الوطني الليبي وجاءت بمثابة طوق نجاة لحكومة الوفاق، والدليل هو توقيع وفد حكومة الوفاق على وثيقة تحديد شروط الهدنة بمجرد وصوله لموسكو الإثنين 13كانون الثاني الحالي، بينما طلب حفتر منحه مهلة قبل التوقيع في نفس اليوم، فمنحته روسيا مهلة حتى صباح اليوم التالي (يوم الثلاثاء 14كانون الثاني)، قبل أن يغادر حفتر موسكو عائداً إلى بنغازي دون التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، لعدم إدراج بند ينص على تفكيك المليشيات، ورفضه لأي دور تركي في ليبيا…

استملت السيدة ميركل منذ 11 كانون الثاني خارطة “مؤتمر برلين” ونتائجه وأهدافه من الرئيس الروسي خلال زيارتها لموسكو، وبذلك يكون بوتين قد أدخل أردوغان للساحة الليبية على حساب مصر والإمارات، وأدخل المانيا على حساب إيطاليا وفرنسا، وجعل من مؤتمر برلين أهمية، ووضعه على مسار أكثر جدوى من مسار مؤتمر بون بألمانيا 2011 بخصوص أفغانستان.

أردوغان لم يفوت الفرصة؛ فاستغل الأمر فى الداخل التركي أيضاً… بعد وقف إطلاق النار فى ليبيا منتصف ليل السبت/الأحد 19 كانون الثاني، أعلنت وزارة الداخلية التركية شن عملية “كابان2” ( بمعنى الفخ) ضد عناصر حزب العمال الكردستاني في لواء إسكندرون المحتل.

الرئيس الروسي دخل الملف الليبي ليوزع الأدوار من جديد، محاولاً إخراج الدول العربية وفرض أردوغان في المعادلة الليبية، لغاية في نفس يعقوب… أردوغان يعتقدُ أنّهُ انتصر وصارت له تونس بوابة خلفية جيدة، بعد أنّ أدرك أن البحر والجو مغلقين بوجهه فالجيش المصري له بالمرصاد.

العودة إلى تونس جاءت عبر راشد الغنوشي الحاكم الخفي لتونس، الذي تولى مهمة إعداد زيارة أردوغان، واجتمع به أيضاً في استنبول بتاريخ 11 كانون الثاني بالتزامن مع وجود فايز السراج أيضاً.

ضمن أردوغان أنّ الجزائر لن توافق على سيطرة الجيش الوطني على العاصمة طرابلس. رفضت الجزائر سيطرة الجيش على سائر التراب الوطني الليبي، فبقاءُ الغرب الليبي في الفوضى كما هو الحال عليه الآن يمنحها مبررات التدخل في الصراع حول حوض غدامس النفطي، كما أنّ انتصار قوات حفتر المعادي لها بتصريحاته الهجومية وتهديداته العسكرية، سيفتح الباب أمام دخول قوىً جديدة ليست على وفاق معها وهي الإمارات.

هل سيستغل التركي الهدنة ويسحب عناصره الإرهابية المحاصرة من مناطق المواجهة لمناطق أكثر أماناً لها، كي تلتقط المليشيات في طرابلس ومصراتة أنفاسها لقلب المعركة على الجيش الليبي فيما بعد؟

السؤال الأخطر هل ستتوسعُ المقايضة بين أردوغان وبوتين، فتصبحُ “تسليم إدلب مقابل تسليم طرابلس”؟

أين الأميركي في ليبيا؟

كل المشاهد السابقة تعطيك انطباعاً بأن فلاديمير بوتين بات الآمر الناهي فى ليبيا، فأين هو الأمريكي إذاً؟ أهو مشغول بإيران، أم ترك ليبيا للروسي مقابل إيران؟

مهما كانت نتيجة الهدنة، فمن الصعب أن ترسم الشكل النهائي لليبيا بحكم اعتبارات كثيرة، أولها أن الهدنة نفسها مهددة بالخرق، فإن تمكن المجتمع الدولي من ضمان مؤسسة عسكرية كالجيش الوطني الليبي، فكيف سيضمن مليشيات مرتزقة جاءت من عدة دول بما في ذلك سوريا وهي التي احترفت خرق أية هدنة؟

الكلمة ستبقى في الميدان الليبي للسلاح، فالمعارك لا تحسم بالمؤتمرات، وما يدور معركة وليس منافسة في انتخابات بين حفتر والسراج، والمعركة ستكون طويلةً في ليبيا… فادي عيد وهيب. القاهرة، مصر. باحث ومحلل سياسي في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. ألمانيا.