الصراع الأنجلوساكسوني. المهندس باسل علي الخطيب

الصراع الأنجلوساكسوني. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 18.08.2022. المهندس باسل علي الخطيب. التاريخ أكبر مُعلّم عند قراءة الأحداث بشكل صحيح. ويُمكنُ للباحث أو المتابع،  من خلال مقارنة أحداث سابقة ما بأحداث حالية، الوقوف على أسباب ما جرى ويجري واستقراء النتائج منها أحياناً، خاصة إذا كانت الأطراف الفاعلة هي نفسها. عدا عن ذلك، لا تتغيّرُ العقليات التي تصنع الأحداث بمرورالأيام، بحيث تُصبحُ سياسة متوارثة لها علاقة بالجينات.

الصراع الأنغلوساكسوني الداخلي

شهدت نهايات القرن الثامن عشر و بدايات القرن التاسع عشر حدثان هامّان غيّرا مسار التاريخ.

الحدث الأول؛ انتصار الثورة الأمريكية

الحدث الأول؛ انتصار الثورة الأمريكية عام 1779 على المستعمرين الانكليز. تلك الثورة كانت صراعاً أنغلو ساكسونياً داخلياً، انتصر فيها الفرع على الأصل، مُعلنةً ولادة إمبراطورية أنغلوساكسونية جديدة واعدة هي الولايات المتحدة الأمريكية. حاولت الإمبراطورية البريطانية “الأم” منعَ هذه الولادة، لكنّ المفارقة أنّ مَن ساعد الأمريكيين في ذاك الصراع كان الفرنسيون، الأعداء التقليديون للأنغلوساكسون.

الحدث الثاني؛ انتقام بريطانيا في معركة واترلو

جاء انتقام بريطانيا في معركة واترلو 18 حزيران 1815 بانتصار الجيوش البريطانية و البروسية على جيوش نابليون، في قرية واترلو في بلجيكا، وكانت تلك آخر معارك واحد من أشهر القادة في التاريخ. كرّس ذاك الانتصار بريطانيا الدولة العظمى الأولى على مستوى العالم لمدة قرن كامل.

الحرب العالمية الأولى واقعة لا محالة

عندما وقعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، كان يجب أو حكماً أن تقع، بغضّ النظر عن السبب المعلن لوقوعها، و هو اغتيال ولي عهد الإمبراطورية النمساوية الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند بتاريخ 28 حزيران 1914.


عاشت أوروبا  أطول فترة سلام بين عامي 1848 و 1914، أدّتْ سنوات الاستقرار تلك إلى كساد اقتصادي وتحالفات سياسية واقتصادية وعسكرية، فكانت الحرب “الحل الشيطاني”.
انتهت الحرب العالمية الأولى بفترة كساد أعظم فكانت البذرة للحرب العالمية الثانية. كساد في الولايات المتحدة الأميركية لأربعة أعوام متتالية منذ 1929 حتى 1933. كساد في الدول الأوروبية وتغيير في التحالفات.

من مظاهر الصراع الأنغلوساكسوني الداخلي اقتصادياً، ما قامت به بريطانيا باصدارها قراراً اقتصادياً ينصّ على إغلاق أسواق الإمبراطورية البريطانية أمام البضائع الأمريكية، وتحالفت مع مَنْ؟

أزمة مالية خانقة تعرضت لها بريطانيا بدءاً من عام 1929، جعلت المستثمرين وأثرياء أوروبا يسحبون الذهب من بنوك لندن وبقيمة تتجاوز 4 مليون دولار يومياً. فرنسا تحالفت مع الولايات المتحدة فأصدر بنك باريس المركزي سندات إئتمان بقيمة 35 مليون دولار، وكذلك فعل البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، مما زاد جراح الاقتصاد البريطاني.

قرار بريطانيا الذي تحدثنا عنه منذ قليل والذي يُشابه العقوبات الحالية، لم يضرّ بالقتصاد الأميركي فقط بل امتد إلى السوق العالمية. يبدو أنّ الفرع الأنغلوساكسوني “الأميركي” قرر تحجيم الإمبراطورية البريطانية بحيث لا تتجاوز جزيرة في الأطلسي.

صناعة عدو لتحجيم بريطانيا


كانت علاقات الولايات المتحدة بحزب العمال القومي الاشتراكي الألماني “النازي” علاقة عادية، لكن مع استلام أودولف هتلر لمنصب مستشار ألمانيا في 31 كانون الثاني 1933، تحسّنت العلاقات كثيراً لتصل لمرحلة دعمه رغم ممارساته وأطماعه المُعلنة. واشنطن وباريس ولندن شاركت في أولمبياد برلين عام 1936 و كان لمشاركتها الدور الأساسي في البروباغاندا الإعلامية النازية المروجة لهتلر و سياساته “السلمية”. هذه الدول تعرف حقّ المعرفة نوايا هتلر وانتهاكاته الإنسانية داخل وخارج ألمانيا، رغم ذلك كان زعماؤها في المنصة الرئيسية عند افتتاح تلك البطولة.

لم تقف بريطانيا مكتوفة اليدين أمام “التّملق” الأميركي لهتلر ، وكنّا نشرنا بحثاً في مركز فيريل للدراسات، قارنا فيه بين العام 1937 والعام 2022، يمكنكم الرجوع إليه على الرابط. ورد فيه ردّ بريطاني وتملّق أكبر: في أيار 1937 استلم رئيس الوزراء البريطاني Arthur Neville Chamberlain  منصبه الجديد. تشامبرلن عُرف بالليونة ومحاولة مهادنة هتلر وعقد اتفاقيات معه. والعلاقات مع ألمانيا لم تكن سيئة كما نتخيّل، ففي آذار 1937؛ تمّ التوقيع على “اتفاقية الكوك الدولية” بين بريطانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وبولندا، لإنشاء كارتل لتصدير فحم الكوك، دخلت حيز التنفيذ في أبريل 1937 وكانت حصة ألمانيا هي الأكبر، كله لاسترضاء هتلر كي يقف درعاً في وجه الاتحاد السوفيتي.

 ازداد “التملّقُ” الأميركي؛ فرغم ضمّ هتلر للنمسا إلى ألمانيا في آذار 1938، واجتياحه لتشيكوسلوفاكيا وضمها لبلاده خلال أيام، لم تصدر أية ردة فعل أميركية ضد هتلر.

بحث يتضمن مقارنة بين ما قبل الحرب العالمية الثانية وعام 2022. هل نحن قبيل حرب عالمية ثالثة؟

الولايات المتحدة تعلن الحرب على اليابان فقط

بدأت الحرب العالمية الثانية واجتاح هتلر أوروبا، لكنّ الولايات المتحدة لم تُحرّكَ ساكناً، باستثناء طلب روزفلت من هتلر التوقف، ليرد الأخير ساخراً منه. وصلت بريطانيا لمرحلة خطيرة من الانهيار العسكري، واستمر الصمت الأميركي باستثناء بعض المساعدات التي لا تُقدّم ولا تؤخر. إلى أن جاء هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربر في المحيط الهادئ في 07 كانون الأول 1941، فأعلنت الحرب على اليابان فقط دون ذكر ألمانيا، ليردّ هتلر بعد أربعة أيام بإعلانه الحرب عليها وتسليم القرار للقائم بالأعمال الأميركي موريس في برلين، الذي كان حتى يومها موجوداً على رأس عمله!


هنا توقفت المؤسسات الصناعية المشتركة بين واشنطن وبرلين، واستمرت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بما في ذلك العسكرية منها.

الأنجلوساكسون دعموا صعود الحزب النازي لغايتين مختلفتين


هنا تكمن المفارقة، دعمت الأنغلوساكسونية البريطانية صعود الحزب النازي في ألمانيا، وغايتها الرئيسية من ذلك أن يقف الألمان في مواجهة الاتحاد السوفييتيي، بينما دعمه الأميركان لغاية ثانية ذكرناها قبل قليل.


من ناحية أخرى؛ اتفق الأنغلوساكسون على تقديم السلاح والذخيرة للاتحاد السوفييتي أثناء الحرب العالمية الثانية، شُحنتْ له بالسفن عبر بحر الشمال و المحيط المتجمد الشمالي، ليس حبّاً بالسوفيت لكن بهدف إطالة الحرب قدر الإمكان وإنهاك الجانبين. يمكنكم إسقاطُ ما حدث على ما يحدث في الوقت الراهن.

الاتحاد السوفيتي هو الذي هزم النازية

 انتهت الحرب بانتصار الحلفاء على النازية، و لكن من هزم النازية حقاً هو الاتحاد السوفييتي. فبعد دخول السوفيت الحرب وصلت نسبة المجهود الحربي النازي إلى 70% على الجبهة الشرقية. ليس أدّلُ على ذلك من أكبر معركة دبابات في التاريخ، إنها معركة Battle of Kursk. جرت جنوب غرب موسكو بـ450 كم.

حسب خبراء عسكريين بريطانيين وأميركيين؛ معركة كورسك حددت مسار ونتائج الحرب العالمية الثانية، وجرت بين 05 تموز حتى 23 آب 1943. معركة تحتاج لبحث كبير لوحدها، لكن باختصار ولأخذ العبر منها؛ شارك فيها 3 ملايين جندي من الطرفين و8 آلاف دبابة وأكثر من 30 ألف مدفعية بنوعيات مختلفة. خسائر السوفيت كانت أكبر من الألمان لكنهم انتصروا انتصاراً ساحقاً قلبَ موازين الحرب كاملة.

ختاماً


التاريخ يُعيد نفسهُ لكن بطريقةكوميدية أو مأساوية. ما يحصل حالياً في أوكرانيا أنّ التاريخ يُعيدُنفسه بطريقة كوميدية و مأساوية معاً.
أسئلة كثيرة لم تلقَ إجاباتٍ مُقنعة أو بقيت دون إجابة: احتل هتلر فرنسا وكان بإمكانه احتلال بريطانيا، فلماذا لم يفعلها؟ لماذا اجتاح هتلر الاتحاد السوفيتي رغم أنه وقّع اتفاقية “عدم اعتداء” عام 1939 قبيل غزو بولندا، والعلاقات لم تكن بهذا السوء بين الطرفين.

تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهى خطر جوزيف ستالين وأطماعه كما يقول الغرب، لكنّ العقيدة الأنغلوساكسونية لم تسقط وعادت لتتحد من جديد بشقيها، الأصل البريطاني و الفرع الأمريكي، لترى من روسيا  العدو الأول الأكثر تهديداً لوجودها والمعرقل الأساسي لتحقيق أهدافها في عالم تتزعمه منفردةً. لهذا استمالوا أوكرانيا لتحويلها إلى خاصرة رخوة تستنزف روسيا، و بدأ الأمر بتقوية الشعور القومي عند الأوكرانيين. فشلت محاولتهم بوضوح بعد استعادة الروس لشبه جزيرة القرم دون مقاومة تُذكر، فكان الحلّ أن يعودوا للقديم المُجرّب قبل أكثر من 80 عاماً، وهو  دفعُ الأوكرانيين نحو النازية وتكرار الماضي وتهديد وجود روسيا، فجاءهم الرد الذي يسعون الآن لايقافه دون جدوى. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 18.08.2022